Tuesday, November 2, 2010

أنا والفطير المشلتت
....................
لأنى قاهرى أباً عن جد أى مع سبق الاصرار والترصد فلم أعرف لى يوماً أى ريف أنتمى إليه ، ولم أكون أبداً من أصحاب الطين وكنت دوماً من أصحاب الزفت ( أقصد أسفلت الشوارع طبعاً ) ولحبى الشديد للريف لبديع منظره وطيبة أهله مع مذاق أكله الطيب ، كثيراً ما كنت أتوق لأى دعوة بالزيارة .. وزمان كانت الدعوات كثيرة ، مرة لفرح وثانية لعزاء ومرات للولائم لمجرد تقوية الروابط وكانت كلها فُرص لإمتاع النفس بفطرة الأرض التى فطرها الله عليها ، ومع مرور الوقت واختلاف الطباع بإختلاف الحالة الاقتصادية بدأت تنقرض دعوات الولائم " منه لله المحمول الذى قرب البعيد " فرضيت بالأفراح والمآتم من باب أنها تقضى بالغرض ، وأيضاً لا مانع من المشاركة وهم أصحاب تمثيل مُشَرِف وتاريخ " دسِم " مشحون بذكريات لها مذاق خاص مازال يسيل لعابى .. مرة أخرى بدأت تنحسر دعوات الأفراح وتم إستبدالها بفطيرة مشلتتة وقطعة مِش كنوع من المشاركة وأحنا مش ناسيينك برضه ، وإذا بالفطيرة تندثر إندثار الديناصور الذى لم يكن يمثل لى أى شئ بل العكس أخد الشر وراح أما الفطيرة فأخذت قلبى معها .. ما علينا .. لم يبقى لى من الريف إلا السير خلف الجنازات ومع كل عزيز أشيعه أشيع معه رابطة من روابطى بالريف ، وبعد فترة طالت حتى ظننت أننى تم استبعادى من كشوف المعزين بالقُرى وأعود واحمد الله على أنه يمد فى أعمارهم ، وأخيراً أُخبِرت بوفاة والدة زميل بإحدى قرى القليوبية وعلى الفور توجهت إلى هناك ، وبطول الطريق لدى إحساس بإنى توهت فلم تعد الأرض الخضراء بالكثرة السابقة انما بقايا أعمدة خرسانية وأراضى أخرى طالتها يد الأهمال للأسف ، حتى وصلت إلى القرية المنشودة وإذا بى أتأكد من أننى توهت أوبمعنى أصح مصركلها تاهت ، فإذ بهول المفاجأة طيلة مشوار الجنازة .. الطرق ضيقة جداً حتى تظن أنها لن تسع شخص بدين ورغم ذلك مكدسة بالمبانى ذات الأعمدة الخرسانية والتى يبدو عليها مظاهر البذخ والتباهى من حيث الأرتفاع وعلو البوابات وكم الأعمدة وكأنهم يحتمون من قنبلة ذرية ، ناهيك عن محلات الموبيليا الفاخرة وتجار الأسمنت وحديد التسليح .. أى والله بدلاً من تجار البذور والأسمدة .. ألم يعد هناك بندر ؟! .. فلم أجد القرية إلا فى الشوارع الضيقة الممهدة بروث البهائم وأيضاً الذباب الغتيت والأطفال الحفاة نصف العُراة ولا أدرى ما الحكمة من لبسهم النصف العلوى فقط .. هل لايبيعون عندهم ملابس من قطعتين ؟ أم انها عادة فرعونية ؟ .. ولا أدرى لماذا رغم كل مظاهر الثراء البادية على مبانى القرية مازالت حياتهم فقيرة ملوثة ومدارسهم تنم على الجهل والفقر وكأن نعمة المال فقط للمبانى وملء المعدة والتباهى بالدش والمحمول وربما السيارة ألم تكن نظافة القرية من الأولويات ؟ ألم يكن الرقى والتحضر الحقيقى أولى من الفشخرة الزائفة ؟ ، فحمدت الله على انحسار الدعوات عنى وادركت لماذا انتهت الولائم وانقرض المشلتت عندما رأيت الفرن البلدى والعيش المدعم .. بصراحة قلبى انقبض ورأيت أحفادى وهم يستوردون الفجل والجرجير .. واستغفرت الله على أنى انشغلت عن الجنازة " منهم لله " وجدتنى اصرخ جوايا " على فين رايحه يامصر ؟